الأطباق الوطنية الجزائرية تتجاوز مجرد كونها طعامًا. من طبق الكسكس الساخن - وهو رمز وطني يُقدم في كل احتفال - إلى الطواجن الشهية والمعجنات الحلوة، تحمل كل وصفة في طياتها إرثًا عريقًا من التاريخ والتقاليد. تلتقي الخبز البربري المسطح والتوابل العثمانية والحلويات الفرنسية في أطباق تُجسّد روابط عائلية ومجتمعية. سلطة باذنجان بسيطة أو يخنة لحم ضأن مطهوة ببطء تُذكّرنا بالمزارع الساحلية الخصبة والقوافل الصحراوية على حد سواء. في الجزائر، الطبخ هو رواية قصص: كل طبق هو رابط دائم بين الأجداد والأحفاد، ورمز للهوية الوطنية المشتركة على كل مائدة.
ينسج المطبخ الجزائري بين تقاليد الصحراء وغنى البحر الأبيض المتوسط. ففي المدن الساحلية والقرى الجبلية على حد سواء، يجد المرء نسيجًا من النكهات التي شكلتها قرون من التاريخ. وقد شكلت عادات البربر الأصيلة جوهر المطبخ الجزائري - يخنات لحم الضأن والخضراوات، والخبز المسطح، والفواكه المجففة - قبل وقت طويل من وصول التأثير الأجنبي. ومع مرور الوقت، تركت موجات من الحضارات بصماتها: فقد أضاف الغزاة العرب والعثمانيون التوابل والمعجنات ويخنات الطماطم الغنية، بينما أدخل الاستعمار الفرنسي حلويات شهية ومكونات جديدة مثل الفلفل، وأدخل الطماطم في الصلصات المحلية. ومع ذلك، وسط هذا التنوع، يعتبر الجزائريون الكسكس بفخر طبقًا وطنيًا رئيسيًا. فهو ليس مجرد وجبة، بل رمز للوطن والتراث.
المطابخ الجزائرية - حتى أفران القرى البسيطة - تحرس وصفات عريقة. في الشمال، توفر حقول القمح الممتدة وبساتين الزيتون المواد الغذائية الأساسية؛ وفي الجنوب، تنتج واحات الصحراء التمور والتوابل. تعكس التوابل مثل الكمون والقرفة والبابريكا التأثير العربي، بينما يؤكد الطهاة الأمازيغ على الشعير والسميد والليمون المخلل. كما يضيف الساحل الطويل والمعقد للبلاد المأكولات البحرية والحمضيات إلى هذا المزيج. وكما يلخص أحد المرشدين: "على مدى مئات السنين، أثر الأمازيغ والعرب والأتراك والرومان والفرنسيون والإسبان على المطبخ الجزائري". يستمر كل إرث في الأطباق التي تنتقل من الولادة إلى الزواج إلى الجنازة. في الواقع، أدرجت اليونسكو مؤخرًا "معارف وخبرات وممارسات" الكسكس الجزائري (والشمال أفريقي) في قائمة التراث الثقافي غير المادي، واصفة إياه بأنه جسر بين الشعوب والأجيال.
طبق الكسكس الشعبي، أشهر طبق وطني جزائري، مُكدس بلحم الضأن المتبل ويخنة الخضار. يُعدّ هذا الطبق البسيط من الحبوب - حبيبات سميد صغيرة مطهوة على البخار ومغطاة بيخنة غنية - طقسًا على الموائد الجزائرية. حتى أن المرشدين الغربيين يشيرون إلى أن "الكسكس، الذي يُعتبر غالبًا الطبق الوطني للجزائر، يتكون من حبيبات صغيرة من السميد المطهو على البخار والمُغطى باللحم والخضراوات والتوابل المختلفة". من الكسكس الملكي الفاخر (المُحمّل بلحم الضأن والدجاج وسجق المرقاز) إلى نسخة بسيطة من أيام الأسبوع مع الجزر والحمص، فإن التقنية ثابتة: يُبلل السميد ويُلف يدويًا على شكل حبوب، ويُطهى على البخار حتى يصبح رقيقًا، ثم يُطهى تحته مع الخضار واللحم. حتى أن التقاليد تنص على التجمع العائلي: تُسكب الحبوب في طبق كبير واحد، يجلس حوله الأقارب ويتناولون الطعام بأيديهم - وهي عادة يُشاد بها لتعزيز الوحدة. يصف العديد من الجزائريين أنه "لا يوجد حفل زفاف أو حفلة أو لم شمل عائلي بدون الكسكس". إنه باختصار مزيج من التغذية والسرد: طبق متنوع بقدر تنوع تضاريس البلاد، ومع ذلك يمكن التعرف عليه على الفور من الهضبة الشمالية إلى الصحراء الكبرى.
إلى جانب الكسكس، تُغذّي الطاجنات واليخنات الجزائرية الجسم خلال فصول الشتاء الطويلة. الطاجن هنا هو أي يخنة مطهوة ببطء، وليس مخروط الفخار (كما هو الحال في المغرب). يُطهى الدجاج ولحم الضأن مع التوابل والحمص والخضراوات. على سبيل المثال، "شتيثا دجاج" هو يخنة دجاج بالطماطم والبابريكا مع الحمص، بينما "الكُوبب" هو طبق دجاج بصلصة بيضاء متبل بالقرفة، ويُقدّم عادةً مع البطاطس المقلية. ومن الأطباق الجزائرية المميزة طاجن الزيتون: دجاج أو لحم ضأن مطبوخ مع زيتون أخضر وفطر طري في مرق حار. في منطقة القبائل الساحلية، يُقدّم الطهاة الكسكس مع السمك أو الأخطبوط إلى جانب الكراث والقرع، مما يعكس حصاد البحر الأبيض المتوسط. قد يشمل طبق خضراوات الطاجن الفلفل المحشي والباذنجان المطبوخ في مرق غنيّ برائحة الزعفران. يُحضّر اللحم بكثرة للاحتفالات: تُشوى الخراف الكاملة على سيخ في حفلات الزفاف والولائم، وتُقطع إلى شرائح سميكة تفوح منها رائحة الكمون والثوم. قد يجد الصحفي المتجول سوقًا يوم الأحد يبيع نقانق المرقاز المشوية على أسياخ ذهبية، والمتبلة منزليًا بالهريسة والمشوية على الفحم. في كل منطقة، قد يظهر طبق يخنة أو معكرونة آخر: الرشتة من الجزائر العاصمة، وهي نودلز سميد ملفوفة يدويًا في مرق الدجاج؛ والبركوكس من الصحراء الكبرى هو كسكس الشعير الذي يُقدم في يخنة الطماطم؛ والتيكوربابين (أو العسبان) هي كرات أرز طرية مطهوة في صلصة الطماطم.
تُضفي أطباق الباذنجان والفاصولياء توازنًا بسيطًا وطبيعيًا. غالبًا ما تُقدّم السلطات والصلصات قبل الوجبة. من الأطباق المفضلة الزعلوك، وهو عبارة عن هريس باذنجان وطماطم مدخن متبل بالثوم والبقدونس. حساء الفاصولياء البيضاء السميك (الحمصة أو الدوبرة في بعض المناطق) يُدفئ ليالي الشتاء. في الصيف، تُقدّم سلطة الفلفل الأحمر الحارة "حمسة" باستخدام منتجات وفيرة. تُؤكل جميع هذه الأطباق عادةً مع الخبز المخبوز يدويًا.
الخبز والخبز المسطح بحد ذاتهما يكاد يكونان مقدسين في الجزائر. خبز السميد المسطح الدائري البسيط، المعروف باسم "كسرى"، هو المعتاد يوميًا، حيث يُمزق باليد لجمع اليخنات. في الواقع، يُعتقد تقليديًا أن الخبز الجزائري وحده هو المناسب للضيوف؛ فالبيت الذي "ينعم" بعجين فائض يُعتبر مزدهرًا. من أنواع الخبز الأخرى المطلوح (رغيف على شكل وردة) والمطبقة (خبز مسطح يشبه الفطائر). في المناطق الصحراوية، يُطهى العجين على الفحم أو على صاج معدني، مما يُنتج قشرة مقرمشة وطبقة داخلية طرية. تُرافق هذه الأنواع من الخبز كل وجبة، وغالبًا ما تُستخدم كأدوات لجمع الصلصات.
الشكشوكة - بصل وفلفل رومي وطماطم مطبوخة ببطء مع التوابل ومغطاة بالبيض - طبق شائع في وجبات الإفطار أو الغداء. تختلف وصفاتها اختلافًا كبيرًا؛ فبعض المناطق تضيف البطاطس أو قطعًا من جبنة الفيتا. تُجسّد هذه الوجبة البسيطة، المعدة في مقلاة، المطبخ الجزائري التقليدي. ومن أطباق الإفطار الشائعة الأخرى، لحم اللحم (يخنة اللحم المدخن)، الذي يُقدّم مع الخبز المسطح، وخاصةً في الشمال.
يُختتم الطبق اللذيذ دائمًا بالحلويات والمعجنات. يحتفي الجزائريون بالحلوى. في معجنات المدن ومطابخ القرى، يُمكن للمرء تذوق البقلاوة الهشة المحشوة بالفستق الحلبي والمغموسة بالعسل، أو كعكة اللوز برائحة زهر البرتقال. ومن الأطباق الكلاسيكية أيضًا المَكْرُود: عجين السميد الملفوف حول معجون التمر، والمُقطّع إلى معينات، والمُغمور بالعسل. على موائد إفطار رمضان، يُقدّم الزبيب: سيمي فريدو حلو بالزبيب، والسلو: حلوى دقيق اللوز المحمص. حتى الآيس كريم الجزائري (الكريبون) مشهور، بنكهة النعناع والليمون. يُسكب شاي النعناع في ختام أي وجبة، حلوًا ومنعشًا.
غالبًا ما تدور الحياة في الجزائر حول الطعام. تزخر أيام السوق الأسبوعية بالباذنجان اللامع والبرتقال الزاهي وأكياس القرفة وأكياس الدقيق. في المقاهي الصغيرة، يُسمع المرء أحاديث لطيفة أثناء احتساء القهوة وتناول طبق من السفينج (فطائر خفيفة تشبه الدونات) على الإفطار. قد يُشير المرشد السياحي إلى أن "تنوع الطعام الجزائري ليس مصدر رزق فحسب، بل هو أيضًا حصيلة معارف ومهارات وتقاليد متوارثة عبر الأجيال". في الجزائر الحديثة، لا تزال العائلات الشابة تجتمع لتناول الكسكس يوم الأحد؛ وتتبع الأمهات والجدات وصفات أمهاتهن. في حفلات الزفاف، تُقدم العرائس الثريد، وهو طاجين أرز، للضيوف، بينما يتبادل الجيران صواني المخرقة (فطائر الذرة الحلوة). ورغم العولمة، لا تزال هذه الأطباق تحتفظ بطابعها المحلي. اليوم، في منطقة القصبة بالجزائر العاصمة أو في سفوح جبال الأطلس، نجد عربات تبيع المحجوبة الحارة (فطائر السميد المحشوة بالطماطم والبصل)، ومقاهي يستمتع فيها كبار السن ذوو اللحى البيضاء بحساء الحمص والكسرة بينما يطارد الأطفال الحمام في الساحات.
يُقدّر المطبخ الجزائري العائلة والتربة. كل طبق وطني له طابع إقليمي عميق. تنتقل التوابل والمكونات من الساحل إلى الصحراء. ولكن سواءً كان الكسكس في الأطلس الكبير، أو اللوبيا في الصحراء، أو كعكة اللوز والورد الحلوة في تلمسان، فإن الطعام يروي دائمًا قصة كرم الضيافة والتاريخ. وكما جاء في إعلان اليونسكو للتراث، "يرافق الكسكس شعوبًا بأكملها من المهد إلى اللحد... إنه أكثر من مجرد طبق، إنه لحظة وذكريات وتقاليد وخبرة". باختصار، تُجسّد المأكولات الوطنية الجزائرية شعبها - أصالةً ودفءً وكرمًا.