باريلوتشي

تقع سان كارلوس دي باريلوتشي - المعروفة اختصارًا باسم باريلوتشي - على سفوح جبال الأنديز المسننة، وتمتد برفق على شواطئ بحيرة ناهويل هوابي، لتشهد على براعة الإنسان التي نسجت ببراعة في براريها الشامخة. هنا، تفسح الغابات دائمة الخضرة المجال لقمم جبلية مغطاة بالثلوج، وتنتشر محلات الشوكولاتة في شوارعها الهادئة، وينبض نبض المغامرة من منحدرات الشتاء إلى شواطئ الصيف.

تبدأ قصة باريلوتشي بموقعها ضمن منتزه ناهويل هوابي الوطني، وهو قرار جريء ضمن أن تكون الطبيعة شريكًا فاعلًا في حياة المدينة، لا مجرد خلفية. خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، أعادت موجة من الأشغال العامة والتوجه المتعمد نحو العمارة الألبية تشكيل موقع باتاغوني متواضع ليُصبح أكثر إلهامًا بمنتجعات الجبال الأوروبية. أعادت الأساسات الحجرية، والعوارض الخشبية، والأسقف المائلة، وصناديق النوافذ المفعمة بالأزهار الزاهية إلى الأذهان الشاليهات السويسرية؛ لم تقتصر هذه الخيارات التصميمية على إسعاد العين فحسب، بل أرست أسس هوية مميزة، لا تزال تجذب الزائرين الذين يتجولون في الشوارع المرصوفة بالحصى، ويلاحظون اللافتات المذهبة فوق الواجهات الخشبية.

بحلول تعداد عام ٢٠١٠، بلغ عدد سكان باريلوتشي الدائمين ١٠٨,٢٠٥ نسمة، وهو رقم ارتفع إلى ما يقارب ١٢٢,٧٠٠ نسمة بحلول عام ٢٠١٥، مع توقعات تشير إلى وصوله إلى ١٣٥,٧٠٠ نسمة بحلول عام ٢٠٢٠. يعكس هذا الارتفاع المطرد أكثر من مجرد معدلات المواليد؛ فهو يُشير إلى تدفق الراغبين في الإقامة لفترة أطول، ومشاريع جديدة، وترسيخ جذورهم. يرحب كل موسم بوجوه جديدة: عائلات برازيلية تبحث عن إثارة الشتاء؛ ومسافرون أوروبيون يبحثون عن أصداء جبال الألب؛ ومجموعات إسرائيلية تُضفي حيوية على المقاهي والمعارض الفنية. ومن خلال هذه التبادلات، تضج شوارع باريلوتشي الهادئة بلغات متعددة، ومع ذلك، لا تشعر المدينة أبدًا بالانفصال، بل تضفي عليها دفئًا عالميًا قائمًا على كرم ضيافة أصيل.

الشتاء، الممتد من يونيو إلى سبتمبر، يجلب معه سكونًا منعشًا عند الفجر ووعدًا بتساقط الثلوج الكثيفة تحت الأقدام. لا يوجد موقع آخر يُعرّف باريلوتشي بقدر سيرو كاتيدرال. تُتوّج سيرو كاتيدرال، أكبر منتجع للتزلج في أمريكا الجنوبية (بل ونصف الكرة الجنوبي)، بمنحدراتها التي تمتد كشرائط بيضاء عبر التلال المشجرة، متشابكةً ​​بين مسارات المبتدئين والمنحدرات المتقدمة. يتلألأ ضوء الصباح على البلورات الجليدية؛ وعند الظهيرة، تُشكّل الرياح انجرافات ناعمة. يحيط المتزلجون ومتزلجو ألواح التزلج بالقمة، بينما تفوح من نُزُل التزلج رائحة الشوكولاتة الذائبة وعصير التفاح المُنكّه. تحت السماء الصافية، تنحدر الغيوم على مستوى منخفض فوق البحيرة، مُحاكيةً حركة المتزلجين وهم يحفرون مسارات جديدة - مبارزة رائعة بين حركة الإنسان والثبات الجيولوجي.

عندما يذوب الثلج، ينتقل تركيز باريلوتشي من قمم جبال الألب إلى المياه البلورية. تلوح في الأفق فيلا تاكول وبلايا بونيتا بحصى ناعمة تدفئها شمس باتاغونيا. يجدف الأطفال على ضفاف المياه، ويفرش المتنزهون أغطيةً تحت أشجار الصنوبر المنقطة بالأشنات. ورغم أن درجات الحرارة لا تزال حول 14 درجة مئوية (57 درجة فهرنهايت)، إلا أن البحيرة تجذب الجرأة - إذ يخفف صفاء الثلج الذائب من برودتها. تتناثر القوارب الشراعية الصغيرة وألواح التجديف على السطح، كل منها يتأرجح مع النسيم الذي يتسلل بين الجبال. هنا، يسود الصمت شعورٌ بالحياة، لا يقطعه سوى صفعة المجاديف الإيقاعية أو نداء البط البعيد.

إلى جانب حمامات الشمس واحتساء بيرة الأنديز في كشك على ضفاف البحيرة، يفتح موقع باريلوتشي في منطقة البحيرات الأرجنتينية شبكةً من الأنهار والجداول والمسارات. يستمتع راكبو الطوافات في المياه البيضاء بتيارات الأنهار المحلية الهائجة، وأصابعهم متجمدة على المجاديف حتى مع دفء الأدرينالين في خدودهم. ينجرف الصيادون بهدوء في زوارقهم الصغيرة، ويرمون خيوطهم في البرك حيث تتلألأ أسماك السلمون المرقط باللون الفضي. يتطلع مراقبو الطيور إلى نداء نقار الخشب الماجلاني الحاد أو إلى الظل الشبح لنسر الأنديز وهو يحوم فوق رؤوسهم.

لمن يقيسون رضاهم بالارتفاع الذي يصلون إليه، تتقاطع المسارات في سلاسل جبال باباغايو ولوبيز وترونادور. يجوب المتنزهون النهاريون حقول الصخور والتلال الجليدية؛ بينما ينطلق المتنزهون الأكثر تصميمًا في مسارات تستغرق عدة أيام بين أكواخ جبلية يديرها نادي أندينو باريلوتشي. لا يوفر كل ملجأ سوى القليل من وسائل الراحة - أسرّة بطابقين، ومواقد حطب، وأكواب شاي متة دافئة - ولكنه يوفر أيضًا تواصلًا من القصص المشتركة، التي تُهمس بها أضواء المشاعل، عن القمم التي تسلقناها والعواصف التي صمدت أمامها.

أفق المدينة المستوحى من الطراز السويسري ليس مجرد مظهر جمالي، بل هو تجسيدٌ للحوار المستمر بين المكان والممارسة. تحت أفاريزها الخشبية، تستضيف مقاهي الشارع الرئيسي حواراتٍ بالإسبانية والبرتغالية والإنجليزية، وأحيانًا بالألمانية، في إشارةٍ إلى المستوطنين الأوروبيين الأوائل. هنا، الشوكولاتة رمزٌ للدين: تُبدع محلات الشوكولاتة المحلية حلوى بونبون حرفية، وكانيلون بنكهة الكمأة، وألواح بنكهة الحمضيات تذوب على اللسان. كل قضمةٍ تُستحضر غابات جبال الألب وضباب الأنهار، وهي لغةٌ نكهةٌ تُعبّر عن الرعاية والتراث.

ومع ذلك، يمتد مشهد فن الطهي إلى ما هو أبعد من الكاكاو. فالبيتزا المخبوزة على الحطب، وسمك السلمون المرقط المشوي على الجمر، والمربيات المنزلية الصنع، تُبرز مكونات من المزارع القريبة: توت مُجمع من بساتين التلال، وأجبان مُعتّقة في أقبية الجبال، وأعشاب برية مُنقوعة في مشروبات كحولية. وفي الأمسيات، يستمتع الضيوف باحتساء أكواب من نبيذ مالبك أو بينو نوار المزروع في تربة باتاغونيا، مُنبهرين بالنجوم الصافية التي تبدو قريبة المنال.

تؤدي باريلوتشي أيضًا دورًا وطنيًا مميزًا: رحلة التخرج الإلزامية لخريجي المدارس الثانوية الأرجنتينيين. في كل ربيع وخريف، تُقلّ الحافلات المراهقين المبتهجين الذين يجوبون منحدرات التزلج بين صفوف دروس التزلج على الجليد والحفلات الليلية. تتدفق ضحكاتهم عبر كبائن التلفريك ومواقد النار على ضفاف البحيرة، مُذكّرةً الزوار الأكبر سنًا بالطقوس التي تُميّز مراحل الحياة.

لقد نالت مدينة باريلوتشي اعترافًا رسميًا بهذا الجو النابض بالحياة - ناهيك عن كتالوج العروض الخارجية ذات المستوى العالمي - في نوفمبر 2012. أعلن قانون الكونجرس الوطني الأرجنتيني رقم 26802 عن سان كارلوس دي باريلوتشي "العاصمة الوطنية للسياحة المغامرة"، وهو اللقب الذي يعزز مكانتها كمهد للذاكرة ومركز للتجارب الجديدة.

إن قضاء وقت في باريلوتشي هو بمثابة عيش صورة متغيرة. في يوم، تستيقظ قبل الفجر لتتزلج تحت سماء وردية؛ وفي اليوم التالي، تتجول بين الشاليهات المحاطة ببحيرات زرقاء كالجبال الجليدية؛ وبعد لحظات، تجد نفسك تكشط الجليد من على لوح تجديف عند شروق الشمس. هذا التذبذب - بين الأدرينالين والسكون، بين التصميم البشري والطبيعة الجامحة - هو جوهر باريلوتشي. إنه يذكرنا بأن الجمال ليس ثابتًا أبدًا، ولا يقتصر فقط على المناظر الطبيعية الجامحة أو المنتجعات الفاخرة. بل إنه يسكن بين شعاع الخشب، وفي سكون تساقط الثلوج، وفي ابتسامة شخص تسلق للتو أعلى مما كان يجرؤ عليه.

هنا، وسط اتساع باتاغونيا، تبرز مدينةٌ لا دخيلةً بل مُتعاونةً - مدينةٌ تعلّمت التحدث بالخشب والحجر، بالشوكولاتة وسمك التروت، بالمصاعد والمسارات. تبقى باريلوتشي، قبل كل شيء، مكانًا يُشكّل فيه الناس أنفسهم على امتداد الطبيعة، وبذلك، يكتشفون مقياسًا أدقّ لكليهما.