الرياض

تُعتبر الرياض القلب النابض للمملكة العربية السعودية، سواءً من حيث دورها الحالي أو ماضيها العريق. من واحة متواضعة على هضبة نجد إلى عاصمة تُصنّف من بين أسرع مدن العالم نموًا، تتشابك في قصتها الجغرافيا والتاريخ والحوكمة، والتوتر بين التقاليد العريقة والحداثة المُلحّة.

تقع مدينة الرياض على ارتفاع حوالي 600 متر فوق مستوى سطح البحر على الحافة الشرقية لصحراء النفود، وتتميز بتضاريس جافة يتخللها مجرى وادي حنيفة المتعرج. يُخفف ارتفاعها من حدة الحرارة إلى حد ما، إلا أن درجات الحرارة في الصيف لا تزال تتجاوز 43 درجة مئوية. الأمطار نادرة بشكل عام؛ تهطل حصة ضئيلة في شهري مارس وأبريل من الربيع، بينما تكون العواصف الصيفية استثنائية، وغالبًا ما تحمل معها رمالًا تُقلل الرؤية إلى ما دون عشرة أمتار. وقد ذكّرتنا عاصفة رملية هائلة في 1 و2 أبريل 2015 بتوقف الرحلات الجوية وإغلاق المدارس في جميع أنحاء المدينة. أما الشتاء، فيبقى معتدلًا وقصيرًا.

رغم هذه الظروف القاسية، تجذب الرياض نحو خمسة ملايين زائر سنويًا، مما يضعها في المرتبة التاسعة والأربعين بين أكثر مدن العالم زيارةً، والسادسة في الشرق الأوسط. ويعزز موقعها المركزي في شبه الجزيرة العربية، عند ملتقى الطرق السريعة الرئيسية، دورها كعاصمة سياسية ومركز إقليمي للأعمال والثقافة.

ظهر اسم "الرياض" لأول مرة في السجلات العربية عام ١٥٩٠، مُطلقًا على مجموعات الحدائق والأراضي الرطبة المتناثرة التي كانت تُحيط بالوادي. ولم تتحد المنطقة حتى عام ١٧٤٥ لتتحول إلى مدينة مُحصّنة بقيادة دهام بن دواس من منفوحة المجاورة. أحاط المستوطنة بأسوار من الطوب اللبن، وشيد قصرًا، فأُطلق على المكان اسمه "الحدائق" نسبةً إلى الواحات الخضراء التي كانت تحيط بتلك الأسوار.

في عام ١٧٤٤، تحالف محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود، حاكم الدرعية المجاورة، فضمّا الرياض إلى سيطرتهما. واستمرت سيطرتهما، التي سُميت لاحقًا بالدولة السعودية الأولى، حتى عام ١٨١٨ قبل أن تُحلّها القوات المدعومة من العثمانيين. ثم قامت الدولة السعودية الثانية بقيادة تركي بن ​​عبد الله، الذي اتخذ الرياض عاصمةً له عام ١٨٢٥، قبل أن تُقوّض إمارة الرشيد المتحالفة مع إسطنبول سلطتها.

في مطلع القرن العشرين، استعاد عبد العزيز بن سعود - المعروف في الغرب باسم ابن سعود - الرياض عام ١٩٠٢ بانتزاعه قلعة المصمك من حاميتها الرشيدية. وقد أصبح هذا الإنجاز رمزًا لطموحه وبطولته. وعلى مدى العقدين التاليين، أعاد توحيد منطقتي نجد والحجاز، معلنًا قيام المملكة العربية السعودية في سبتمبر ١٩٣٢، واتخذت الرياض عاصمةً لها. وظلت الإدارة متمركزة في المدينة القديمة حتى عام ١٩٣٨، عندما نقل ابن سعود بلاطه إلى قصر المربع المبني حديثًا على أطراف المدينة الشمالية.

كان هدم أسوار المدينة في خمسينيات القرن الماضي إيذانًا بنهاية تلك الواحة المسورة وبداية عصر حضري مترامي الأطراف. فبينما كان الكيلومتر المربع كافيًا، توسعت الرياض توسعًا ملحوظًا، واستوعبت قرى مجاورة مثل الدرعية ومنفوحة ووادي لبن. وبحلول ستينيات القرن الماضي، ارتفع عدد السكان إلى 150 ألف نسمة؛ وبحلول عام 2022، تجاوز سبعة ملايين نسمة، مما جعل الرياض أكثر مدن المملكة اكتظاظًا بالسكان وثالث أكبر مدينة في الشرق الأوسط. ويشكل المواطنون حوالي 64% من السكان، بينما يشكل الوافدون - ومعظمهم من الهنود (13.7%) والباكستانيين (12.4%) - النسبة المتبقية.

باعتبارها مقرًا للملكية والحكومة، تستضيف الرياض المجلس الأعلى للقضاء، ومجلس الشورى، ومجلس الوزراء، وديوان الملك. وتتجمع أكثر من 114 سفارة أجنبية في الحي الدبلوماسي غرب المدينة. محليًا، تدير أمانة الرياض 15 منطقة بلدية برئاسة رئيسها - منذ يوليو 2020، فيصل بن عبد العزيز بن محمد بن عياف آل مقرن - بينما تتولى الهيئة الملكية لمدينة الرياض، برئاسة الأمير فيصل بن بندر آل سعود، وضع الخطط طويلة المدى.

وبالنظر إلى المستقبل، حصلت الرياض على حق استضافة معرض إكسبو 2030، لتصبح بذلك ثاني مدينة عربية تستضيف معرضاً عالمياً بعد معرض إكسبو 2020 في دبي.

تطورت الرياض لتصبح مركزًا ماليًا رائدًا في المملكة. وتتخذ بنوك كبرى - مثل البنك الوطني السعودي، والراجحي، ومجموعة سامبا المالية - وشركات عملاقة مثل سابك، والمراعي، وشركة الاتصالات السعودية، من طريق الملك فهد (الطريق السريع 65) مقراتها الرئيسية. ويُعدّ مركز الملك عبد الله المالي، الذي يبرز حول هذا الشريان الحيوي، من أكبر مراكز الأعمال في العالم. ويشكل برجان مميزان - وهما مركز الفيصلية ومركز المملكة - صرحًا بارزًا في أفق المدينة على طول طريق العليا، المحور التجاري الرئيسي.

لقد تجاوز النمو السكاني، المدفوع بارتفاع معدلات المواليد والهجرة الداخلية وتوسع فرص العمل، كل مدن العالم تقريبًا. وتشرف البلدية والهيئة الملكية الآن على مجموعة معقدة من الأحياء الجديدة والمناطق التجارية ومشاريع البنية التحتية المصممة لاستيعاب هذه الأعداد المتزايدة.

لم يبقَ من أسوار المدينة الأصلية سوى القليل من آثارها، باستثناء قلعة المصمك، وهي حصن مربع متماسك من الطوب اللبن، يُستخدم الآن كمتحف بالقرب من ساحة برج الساعة (المعروفة شعبيًا باسم "ساحة تشوب تشوب"). وفي أماكن أخرى داخل حدود المدينة القديمة، توجد بقايا من جدار وبوابة، إلى جانب منازل تقليدية متناثرة من الطوب اللبن، العديد منها في حالات متفاوتة من التدهور.

شُيّد قصر المربع بين عامي ١٩٣٦ و١٩٣٨، وكان فاتحة عهد النهضة الحديثة في الرياض. وهو اليوم جزء من مركز الملك عبد العزيز التاريخي، الذي يضم المتحف الوطني السعودي. تأسس هذا المتحف عام ١٩٩٩، وجمع قطعًا أثرية من جميع أنحاء المملكة: النيزك المعروف باسم "سنام البعير"، الذي استُخرج عام ١٩٦٦ من موقع سقوط وبار، يُعرض الآن في القاعة الرئيسية.

خارج المدينة، تقع آثارٌ أخرى من التراث النجدي. حي الطريف في الدرعية، المُدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي في يوليو 2010، يحافظ على قصور ومباني الدولة السعودية الأولى المبنية من الطوب اللبن. ويضمّ ضمن حرمه قصر سلوى، وقصر سعد بن سعود، وبيت الضيافة، وحمام الطريف، ومسجد الإمام محمد بن سعود.

في العصر الحديث، تهيمن ثلاثة ناطحات سحاب:

• مركز المملكة (300 متر، 99 طابقًا)، افتُتح عام 2002. صممه إليربي بيكيت وعمرانيا، ويتميز بقوس مقلوب مميز قرب قمته، ويربطه جسر علوي يوفر إطلالات بانورامية خلابة. يضم الجناح الشرقي مركزًا تجاريًا من ثلاثة طوابق، بما في ذلك طابق مخصص للنساء فقط. وقد حاز هذا المبنى على جائزة إمبوريس لناطحات السحاب عن تصميمه ووظيفته.
• برج رافال (307.9 متر)، اكتمل بناؤه عام 2014 من قِبل مجموعة بي آند تي. يضم هذا البرج متعدد الاستخدامات 474 وحدة سكنية وفندقًا يضم 349 غرفة، كان في البداية فندق كمبينسكي، ويعمل الآن تحت إدارة جيه دبليو ماريوت.
• مركز الفيصلية (44 طابقًا)، أول ناطحة سحاب في الرياض. من تصميم شركة فوستر وشركاه، يتوّجه كرة ذهبية مستوحاة من قلم حبر جاف، ويضم مطعمًا ومنصة مشاهدة مفتوحة. وتحتوي قاعدته على مركز تجاري فاخر وأجنحة فندقية.

من المعالم المعمارية الأخرى برج تلفزيون الرياض (170 مترًا، بُني بين عامي 1978 و1981) على أرض وزارة الإعلام. كان هذا البرج مهدًا للدراما التلفزيونية السعودية، بدءًا من فيلم "ألف ليلة وليلة" عام 1983، وصولًا إلى المسلسل الساخر "طاش ما طاش" عام 1986، الذي أطلق شرارة الحراك الإعلامي.

بعد عقود من الهدم الروتيني للمباني التقليدية، تُركز السلطات السعودية الآن على الحفاظ على التراث. وتقود الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني جهود الترميم في الرياض وخارجها، سعيًا لإنقاذ المباني المبنية من الطوب اللبن وإحياء المراكز التاريخية.

تمتد المبادرات الأثرية في العاصمة إلى كهف عين هيت، الواقع بالقرب من قرية هيت غرب طريق الخرج. تُعدّ بحيرته الجوفية العميقة، التي تُقدّر بـ 150 مترًا، من بين أكثر المواقع الكهفية سهولةً في الوصول إليها في المنطقة. وفي مكانٍ أقرب، تُشرف البلدية على صيانة خمس بوابات سابقة للمدينة - وهي: الثميرة، والسويلين، والدخنة، والمذبح، والشميسي - وأربعة قصور فخمة: قصر المصمك، وقصر المربع، وقصر عتيقة (التابع للأمير محمد بن عبد الرحمن)، وقصر الشمسية (التابع لسعود الكبير).

انعكس نمو الرياض على مشاريع النقل الطموحة. فقد استقبل مطار الملك خالد الدولي، الواقع على بُعد 35 كيلومترًا شمالًا، أكثر من 20 مليون مسافر في عام 2013. وتتضمن الخطط الآن إنشاء ستة مدارج متوازية ومحطات متعددة قادرة على خدمة 120 مليون مسافر سنويًا بحلول عام 2030، وما يصل إلى 185 مليون مسافر بحلول عام 2050.

داخل المدينة، أطلق مشروع الملك عبد العزيز للنقل العام شبكتي الحافلات والسكك الحديدية. يتألف نظام حافلات الرياض من 87 مسارًا، و842 مركبة، وحوالي 3000 محطة، ويغطي مسافة 1905 كيلومترات؛ وفي عام 2024، نقل حوالي 50 مليون راكب. ويهدف مترو الرياض، أطول شبكة قطارات ذاتية القيادة في العالم، إلى تخفيف الازدحام المروري. وتُشغّل المؤسسة العامة للخطوط الحديدية خطوطًا لنقل الركاب والبضائع شرقًا إلى الدمام، مع خطط مستقبلية لربطها بجدة ومكة وبريدة وحائل والمناطق الشمالية.

تربط شبكة من الطرق السريعة العاصمة بمناطق المملكة الأوسع. يحيط طريق دائري داخلي بقلب الرياض، ويربط حزام خارجي ضواحيها. يخترق طريق الملك فهد (الطريق السريع 65) وطريق مكة (الطريق السريع 40) مركز المدينة، ويتقاطعان بالقرب من ميدان القاهرة، الذي يتألف من تقاطع طرق متعدد الأشكال بدلاً من ساحة تقليدية. يوجه هذان الطريقان حركة المرور عبر المناطق التجارية مثل العليا والسليمانية - حيث تُشكل أبراج الفيصلية والمملكة تجمعات تجارية رئيسية - ونحو الحي الدبلوماسي في أقصى الغرب.

لا تزال الرياض تعتمد بشكل أساسي على السيارات. عناوين الشوارع تُستبدل بالمعالم وصناديق البريد. بالنسبة للقادمين الجدد، يُعدّ نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أو الخرائط الرقمية الحديثة أمرًا أساسيًا. يجب على السكان حمل هوية سارية المفعول - جواز سفر أو هوية وطنية أو إقامة - في جميع الأوقات لتجاوز نقاط التفتيش وتأمين الخدمات؛ كما يُطلب عادةً بيانات الكفيل.

غالبًا ما تدور الحياة الاجتماعية للمغتربين حول المجمعات الخاصة والتجمعات المنظمة. يُقيّد النسيج المحافظ للمدينة بعض أشكال الترفيه العام؛ إذ يُحظر الكحول، ويستمر الفصل بين الجنسين في العديد من الأماكن العامة. ومع ذلك، في عهد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، سهّلت إصلاحات محدودة وصول الرجال العزاب إلى مراكز التسوق، وأعادت فتح بعض أماكن الترفيه.

شُدّدت الإجراءات الأمنية منذ موجة الهجمات على الغربيين بين عامي 2002 و2004، والتي شملت إطلاق نار وتفجيرات واختطافات. وفي أعقاب تفجيرات المجمع السكني في 12 مايو/أيار 2003، شدّدت القوات السعودية الرقابة؛ ولم تقع أي حوادث مماثلة منذ ذلك الحين. تُعدّ معدلات الجريمة منخفضة مقارنةً بالمعايير العالمية، إلا أن السلامة على الطرق تُشكّل الخطر الأكبر. وغالبًا ما تتجاهل قواعد القيادة المحلية حدود السرعة، وانضباط المسارات، وإشارات المرور. ويُنصح الأجانب بالقيادة بحذر، واستخدام أبواق السيارات بكثرة، وتجنب الإيماءات التي قد تُفسّر بشكل خاطئ.

يعكس تطور الرياض من واحة حصينة إلى مدينة عالمية عملاقة التحول الأوسع الذي تشهده المملكة. يجمع أفقها الآن بين الحصون والساحات القديمة والأبراج الزجاجية الشاهقة. لا يزال التوتر بين التقاليد المحافظة والتحديث المُلحّ واضحًا، وستختبر الفصول القادمة مدى فعالية المدينة في التوفيق بين الحفاظ على التراث والمتطلبات المتزايدة للانفتاح وسهولة العيش. ستُبرز استضافة معرض إكسبو 2030 الرياض للعالم، وتتحدىها في الموازنة بين إرثها البسيط وتطلعاتها العالمية التي تتبناها اليوم.